«جيتس» يروى أسرار الاتصالات الأخيرة بين واشنطن ومبارك
«جيتس» يروى أسرار الاتصالات الأخيرة بين واشنطن ومبارك Obama-mubarak-1812
الرئيس الأسبق مبارك والرئيس الأمريكي باراك أوباما
واشنطن – محمد المنشاوى

قال وزير الدفاع الأمريكى الأسبق روبرت جيتس فى كتابه «الواجب» الذى جاء فى 610 صفحات، وظهر فى المكتبات الأمريكية صباح يوم 14 يناير بالتزامن مع الاستفتاء على دستور 2014 ــ إنه «طالب وزير الدفاع المصرى المشير حسين طنطاوى خلال عدة مكالمات هاتفية معه أثناء ثورة 25 يناير، بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين تحت أى ظرف، وضبط النفس فى ظل الاحتجاجات المشتعلة فى البلاد»، مؤكدا أن «قادة الجيش أكدوا آنذاك أنهم لن يلجئوا لاستخدام القوة من جانبهم»، وتعرض «الشروق» أهم مقتطفات الكتاب عن مصر:
واشنطن تطمئن لموقف الجيش
مثل وجود وفد عسكرى كبير بقيادة الفريق سامى عنان، رئيس أركان القوات المسلحة، فى واشنطن مع بداية الثورة، وبقاؤه لعدة أيام، فرصة أمام الإدارة الأمريكية للتواصل مع الجيش بصورة مباشرة، وللتأكيد لقادته على ضرورة عدم اللجوء للعنف ضد المتظاهرين تحت أى ظروف.
وبحسب جيتس الذى كان يتولى وزارة الدفاع الأمريكية أثناء الثورة المصرية، تنفس أوباما الصعداء بعدما أيقن أن الجيش لن يطلق النار على المتظاهرين، وطلب من رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل مولين صباح الثامن والعشرين من يناير، أن يذهب بأسرع وقت إلى قاعدة «أندروز» الجوية ليوجه سؤالا واحدا ووحيدا للفريق سامى عنان: «هل سيستخدم الجيش المصرى القوة ضد المتظاهرين؟»، وكانت إجابة الفريق سامى عنان قاطعة «الجيش لن يستخدم القوة أبدا ضد الشعب، مهمتنا هى حماية المتظاهرين وليس الاعتداء عليهم».
جدير بالذكر أن واشنطن شعرت بالقلق من أن يستخدم الجيش القوة، لما سيتركه ذلك من أثر شديد السلبية على صورة الولايات المتحدة، فهو الجيش الذى تلقى آلاف من ضباطه تدريبات عسكرية وأكاديمية فى أمريكا. وأثناء أيام الثورة الثمانية عشر بادر العشرات من رجال البنتاجون بالتواصل عن طريق رسائل إلكترونية مع نظرائهم المصريين بصورة يومية تناشدهم وتحذرهم من إطلاق النار على المتظاهرين. ويرى مسئول أمريكى كبير أن قادة الجيش المصرى «لم يريدوا أن يقفوا بجوار رئيس عجوز يريد أن ينقل الحكم لابنه الذى لا يثق فيه الجيش». وكرر الضباط الأمريكيون لنظرائهم المصريين عبارة «لا تكسروا رابطتكم بشعبكم».
لا للتضحية بثلاثين عامًا من التحالف

يذكر جيتس فى كتابه أنه عارض أن تمحى واشنطن ذاكرة تحالف بلاده مع مصر مبارك لمدة تزيد على الثلاثين عاما عن طريق إصدار عدة بيانات صحفية متسرعة، رغم تأكيده على ضرورة بدء عملية انتقال منضبط للسلطة فى مصر كما طالب الرئيس أوباما.
انقسام جيلى داخل إدارة أوباما
يكرر جيتس كثيرا رؤيته للانقسام الجيلى داخل الإدارة الأمريكية وما ترتب على ذلك من اختلاف الآراء أثناء أيام الثورة الثمانية عشر، حيث انقسم فريق إدارة أزمة مصر داخل الإدارة الأمريكية الذى كان يبحث المستجدات لحظة بلحظة، إلى فريقين ميز بينهما إضافة إلى المواقف المتعارضة، فجوة جيلية واضحة. فالفريق الأصغر سنا تكون بصورة رئيسية من دينيس ماكدو من مواليد 1969 (من حملة أوباما الانتخابية) وهو نائب مستشار الأمن القومى الأمريكي، والسيدة سامنتا باور من مواليد 1970، الأكاديمية البارزة بجامعة هارفارد ولها كتب مهمة عن جرائم الإبادة الجماعية، وعملت مستشارة لأوباما لشئون حقوق الإنسان، وتعمل سفيرة لبلادها الآن فى الأمم المتحدة، والأكاديمى البارز فى قضايا التحول الديمقراطى مايكل ماكفولن وهو من مواليد 1963، ويشغل حاليا منصب السفير الأمريكى فى موسكو، وأخيرا أصغرهم جميعا بن رودس من مواليد 1978 وهو خريج جامعة جورج تاون، ويعمل مستشارا للشئون الدولية فى مجلس الأمن القومى.
وجاء جيتس مع الفريق الأكبر إذ ولد وزير الدفاع الأسبق عام 1943 لذا كان محافظا فى تفكيره نتيجة سنوات خدمته الطويلة داخل أروقة الحكومة الأمريكية وتأثره بالتقاليد البيروقراطية المحافظة فى الشأن السياسى، وضم هذا الفريق أيضا وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون وهى من مواليد 1947، ونائب الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن المولود عام 1942 ومستشار الأمن القومى توماس دونيلون المولود عام 1955، ودينيس روس مسئول ملف الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومى وهو من مواليد 1948، أبرز وجوه هذا الفريق.
رأى فريق الصغار، أن ما يحدث هو ثورة حقيقية وطالبوا بدعم شبابها، أما فريق العجائز فقد طالب بالتلكؤ، وعدم التخلى عن الحليف حسنى مبارك. إلا أن كلا الفريقين اتفقا على شىء واحد، وهو أن عملية الانتقال الديمقراطى ليست أمرا سهلا وستأخذ سنوات عديدة، وسيتخللها الكثير من الفوضى.
وكان وزير الدفاع الأمريكى الأسبق، يقدر صدق ودقة الرئيس السابق حسنى مبارك فى تحذيره المتكرر للإدارات الأمريكية من أن البديل الوحيد لنظامه غير الديمقراطى هو حكم القوى الإسلامية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين.
محاولات إحداث التوازن داخل البيت الأبيض
استمر الرئيس باراك أوباما فى تلقى تقارير عن آخر المستجدات فى مصر من فريق الأمن القومى طوال يومى 29 و30 يناير، وأصبح يهتم بها كثيرا بعد أن حث الرئيس المصرى مبارك يوم الجمعة 28 يناير فى مكالمته الهاتفية على إجراء الإصلاحات الضرورية وأهاب بقوات الأمن المصرية الامتناع عن اللجوء للعنف. ثم أعلن البيت الأبيض أن أوباما يؤيد انتقال السلطة بشكل منظم فى مصر إلى حكومة تلبى طموحات الشعب المصرى.
وأوضح جيتس أن الرئيس أوباما أجرى مكالمات هاتفية مع زعماء تركيا والأردن والسعودية ورئيس الوزراء البريطانى والإسرائيلى لمناقشة الأوضاع المستجدة فى مصر. وعبر أوباما خلال حديثه مع الزعماء عن معارضته للعنف ودعوته لضبط النفس ودعمه لحقوق الإنسان وبينها حق الاحتجاج السلمى والتجمع وحرية التعبير، كما تشاور أوباما مع الزعماء الذين تحدث اليهم حول تقييمهم للوضع فى مصر، واتفقوا على البقاء على اتصال.
وأشار جيتس إلى أن أوباما حاول انتهاج خط يتسم بالتوازن الدقيق ساعيا لتجنب التخلى تماما عن مبارك وهو حليف استراتيجى مهم للولايات المتحدة مع دعم المحتجين الذين يريدون حقوقا سياسية أوسع ويطالبون بالإطاحة به.
ضغوط خليجية مبكرة
وتحدث جيتس شخصيا لعدد من زعماء المنطقة وعرض تفصيليا لمكالمته مع ولى عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد بن خليفة وولى عهد الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، وعبر الاثنان عن قلقهما من موقف واشنطن من الرئيس مبارك وعدم دعمها له بالصورة الكافية. وحذر المسئولان الخليجيان من تحول مصر لنسخة سنية من إيران إذا ما سقط نظام حسنى مبارك ووصل الإخوان المسلمون لسدة الحكم.
مبارك خدعنا
ويذكر جيتس أنه بحلول يوم 10 فبراير قال لنا رئيس المخابرات الأمريكية حينذاك، ليون بانيتا «احتمال أن يخرج مبارك الليلة ليعلن رحيله عن الحكم»، وأكدت عدة شخصيات مصرية حكومية رفيعة لمسئولين أمريكيين تنحى مبارك فى كلمته ليلة 10 فبراير. واستعد أوباما وفريق مساعديه ومستشاريه لهذا الحدث وتمت كتابة البيان الذى سيخرج من البيت الأبيض عقب تنحى مبارك. واستمع الفريق الرئاسى الأمريكى للمرة الثالثة لخطاب محبط من مبارك، وأحبطهم بصورة أكبر قرار مبارك نقل صلاحياته للواء عمر سليمان، وعدم تنحيه.
وخرج بيان رئاسى أمريكى يؤكد «أن ما قام به مبارك ليس كافيا». كما أعلن السفير المصرى لدى واشنطن فى نفس يوم الخطاب أن حسنى مبارك فوض كل سلطات رئيس الجمهورية إلى نائبه لكنه مازال رئيس الدولة الشرعى، لكنه أضاف أن نائب الرئيس عمر سليمان هو الرئيس الفعلى. وأوضح السفير المصرى فى تصريح لقناة سى إن إن الإخبارية الأمريكية، إن نائب الرئيس عمر سليمان قال له شخصيا إن الرئيس مبارك حول كل السلطات لنائب الرئيس، وأنه الآن يضطلع بكل السلطات وفقا للدستور.
إلا أن القاهرة كانت أسرع من واشنطن، إذ أبلغ الجيش الرئيس مبارك ضرورة الرحيل فورا حتى لا تتجه الأمور إلى المجهول مع تصميم المتظاهرين على محاصرة القصر الرئاسى يوم 11 فبراير.
نص مكالمة أوباما ومبارك الأخيرة
لم يرغب أوباما فى إهانة حليف رئيسى وتاريخى للولايات المتحدة لما فى هذه الخطوة من رسالة سلبية لحلفاء واشنطن. ويذكر جيتس موقف عاهل السعودية، الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذى أكد لأوباما بعدما أنهى خطابه الأول عن مصر يوم 28 يناير، على ضرورة «الوقوف بجانب الرئيس مبارك» ونتج ذلك من خوف الأسرة المالكة فى السعودية من تأثير ما تشهده ميادين مصر على المملكة واحتمال انتقال العدوى للرياض.
كذلك تواصلت رنات تليفونات البيت الأبيض من تل أبيب طالبة من الرئيس الأمريكى التمهل والوقوف بجانب حاكم مصر وذكر نتنياهو لأحد مستشارى أوباما «لا أعتقد أن الرئيس أوباما يعرف ما ينتظره»، وأكد نتنياهو لأوباما على «ضرورة الوقوف مع مبارك مهما حدث».
وبعد خطابه الأخير، تلقى مبارك المكالمة الأخيرة بينه وبين الرئيس الأمريكى، الذى انزعج كثيرا من كلمة مبارك لدرجة أنه لم يتح الفرصة لمساعديه أن يعدوا بعض النقاط التى يتكلم حولها، وكانت المكالمة من أكثر المكالمات خروجا عن اللياقة، على حد قول جيتس.
وظهر مبارك أكثر عنادا وتصميما، واستغرقت المكالمة 30 دقيقة، وبعد غلق التليفون ذكر أوباما لمستشاريه أن «مبارك بقى فى الحكم أكثر من اللازم، وهو يعيش فى شبه قاعدة عسكرية ليست بعيدة من مطار القاهرة بعيدا عن الإحساس بالشعب والشارع».
وبحسب نص المكالمة الذى نقله جيتس فى كتابه، قال أوباما لمبارك: «خطابك ليس كافيا، ولم يكن مناسبا». ورد مبارك: «المظاهرات ستنتهى خلال عدة أيام. ومصر ليست تونس، ورغم احترامى لك، إلا أننى عندى معلومات أكثر منك فى هذا الخصوص».
إلا أن أوباما لم يستخدم كلمة «استقالة» وفضل بدلا منها «يمكنك أن تستغل الفرصة خلال اليوم أو اليومين القادمين لبدء عملية انتقال حقيقى للسلطة».
ورد مبارك «فلنتحدث بعد ثلاثة أو أربعة أيام». ورد أوباما: «السيد الرئيس سأحتفظ بحقى فى مكالمتك فى أى وقت إذا ما استدعت التطورات ذلك».
وختم أوباما مكالمته قائلا: «السيد الرئيس، أنا دائما أحترم من هم أكبر سنا منى، لقد خدمت فى الحقل السياسى لفترة طويلة جدا إلا أن هناك لحظات فى التاريخ تظهر أن المستقبل يختلف عن الماضى. لقد خدمت وطنك جيدا لأكثر من ثلاثين عاما، وما أحرص عليه هنا هو أن تغتنم تلك الفرصة التاريخية».
ثم أعلن أوباما أنه أبلغ نظيره المصرى حسنى مبارك خلال اتصال هاتفى أن عملية انتقال السلطة سلميا فى مصر يجب أن تبدأ الآن، لكن من دون أن يدعوه إلى التنحى فورا.
وتطرق أوباما أيضا إلى الدور الذى يضطلع به الجيش المصرى فى هذه الأزمة، وقال «أريد أن أحيى الجيش المصرى على الاحتراف الذى أظهره عبر حمايته الشعب المصرى»، وتابع «لقد شاهدنا دبابات مغطاة بأعلام وجنود ومتظاهرين يتعانقون فى الشوارع إننى أحض الجيش على مواصلة جهوده لضمان إتمام لحظة التغيير هذه فى شكل سلمى».
طنطاوى يقلل من خطورة وقوة الإخوان


وأشار جيتس إلى أنه أثار قضية جماعة الاخوان المسلمين خلال زيارته الأولى للقاهرة عقب سقوط الرئيس حسنى مبارك بعدة أسابيع. وأكد المشير طنطاوى له أن «الإخوان ليسوا بتلك القوة التى يتخيلها، وهم فقط إحدى القوى المهمة المنظمة إضافة للحزب الوطنى. لذا فالناس بحاجة لبعض الوقت حتى يصبحوا قادرين على التنظيم فى أحزاب والمنافسة».
وكما قال جيتس إن طنطاوى عاد وأكد له أن «الشعب المصرى هو من ستكون له اليد العليا فى كل شىء، ونحن سندعمه هو فقط.. ونحن سنمنح القوى الثورية بعض الوقت لتنظيم أنفسهم فى أحزاب وبرامج سياسية».
روبرت جيتس
- ولد فى 25 سبتمبر 1943 فى مدينة ويتكيتا بولاية تكساس وحصل على بكالوريوس التاريخ من كلية «ويليام أند مارى» عام 1965.
- حصل على ماجستير فى التاريخ من جامعة انديانا عام 1966 ثم حصل على درجة الدكتوراه فى تاريخ روسيا من جامعة جورج تاون عام 1974.
- عمل فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1966 ثم أصبح عضو هيئة أركان بمجلس الأمن القومى الأمريكى عام 1974.
- عمل فى الفترة من 1980 ــ 1982 مسئول محور الاتحاد السوفييتى بالمخابرات ثم نائبا لمدير المخابرات المركزية فى الفترة 1986 ـ 1989.
- عين نائبا لرئيس مجلس الأمن القومى فى الفترة 1989 ـ 1991.
- عمل رئيسا لوكالة المخابرات المركزية فى الفترة بين 1991 ـ 1993.
- بعد تركه الوكالة، عمل محاضرا وأكاديميا فى عدد من الجامعات الأمريكية قبل أن يصبح رئيسا لجامعة ( تكساس أيه أند إم) فى عام 2002.
- فى 2005 رفض منصب رئيس «المخابرات الوطنية» لكى يظل رئيسا للجامعة.
- أصبح جيتس وزيرا للدفاع فى 18 ديسمبر 2006 خلفا لدونالد رامسفيلد.
- أعلن أوباما فى الأول من ديسمبر 2008 أن جيتس سيظل وزيرا للدفاع أثناء فترة ولايته الأولى.
- قدم جيتس استقالته رسميا فى 1 يوليو 2011، وانتقل إلى العمل مستشارا لكلية (ويليام أند مارى) التى تخرج فيها.
- فى يناير 2014 انتقد جيتس تعامل أوباما مع حرب أفغانستان فى كتابه «الواجب: قصة وزير فى حرب».