الضرائب العقارية



الضريبة العقارية من أقدم أنواع الضرائب التي عرفتها مصر وهى تابعة تاريخياً لوزارة المالية وتتشكل ادريا من ديوان عام المصلحة بالقاهرة ومديريات تنتشر فى جميع محافظات مصر .
وفى عام 1974 صدر القرارين الوزاريين رقمى 36 و 37 بفصل المديريات بالمحافظات لتصبح تبعيتها ماليا وادريا للحكم المحلى مع بقاء التبعية الفنية فقط لمصلحة الضرائب العقارية بالقاهرة - والتى ظلت تابعة ماليا وإداريا وفنيا لوزارة المالية .
ومنذ ذلك التاريخ أدى الازدواج فى التبعية فى المديريات مابين الحكم المحلى والمصلحة الى كثير من المشاكل التى أثرت بالسلب على العمل ذاته كما أضرت بمصالح العاملين - حيث ضاعت حقوقهم المالية ما بين المحليات والمصلحة وانخفضت دخولهم بشكل كبير مقارنة بأقرانهم فى المصالح الإيرادية الأخرى حيث وصل الفرق بين أجورهم والأجور فى بقية المصالح الإيرادية المماثلة الى 1 : 10 .
لم يكن العاملون بالضرائب العقارية وكافة أنواع الضرائب مدرجين فى اى تصنيف نقابى وكان 10 % فقط من العاملين يتبعون قسراً نقابة البنوك ، وحاولوا من خلال التنظيم النقابى الرسمى الوصول لبعض حقوقهم وكان التنظيم النقابى الرسمى دائما لهم بالمرصاد ... يتولى التفاوض معهم كما يتولى رفض طلباتهم ...حتى وصل الأمر الى طردهم من مقر النقابة العامة للبنوك واستدعاء الأمن لهم عند اجتماعهم بها ... واضطروا للاجتماع فى ميدان عام وذلك سنة 1999 فى شهر مارس وفى يوم 13 مارس سنة 1999 تجمع حوالى 200 موظف منهم – من خارج التنظيم الرسمى – واعتصموا أمام البرلمان ثم أمام وزارة المالية ثم أمام وزارة التنمية الإدارية ..وتمت الاستجابة لطلباتهم آن ذاك والمتمثلة فى الحصول على حافز إثابة 25 % من الراتب وزيادة الجهود غير العادية الى 50 % من الراتب.... ثم هدأت حركة الضرائب العقارية ...

وجاء عام 2006 ليشهد أبشع عمليات التزوير النقابى الرسمى حيث وصل التزوير الى حد المنع من الترشح ذاته وذلك بعدم إعطاء شهادات تمكن من الترشيح ...ثم تزوير نتائج المرشحين الذين أفلحوا فى الإفلات من المنع .
جاء التدخل السافر فى انتخابات الدورة 2006/2012 ليقطع اى علاقة او أمل فى التنظيم الرسمى .. حيث تحول الى تنظيم معادى لحقوق العمال ..وجاءت موجات رفع الأسعار المتتالية لتزيد الأوضاع التهابا .
وواكب ذلك ظهور حركات احتجاجية -  كحركة كفاية وأخواتها - لتكسر حاجز الخوف لدى المصريين والذى صنعته السلطة وأجهزتها الأمنية العديدة , ووضعه جبل من التشريعات الاستبدادية التى سنها الطغاة عبر التاريخ لتحمى الفساد والاستبداد .
وتلخصت قيمة وعبقرية حركة الضرائب العقارية فى الخصائص الآتية :
1 – إن الحركة نجحت فى تجميع 55 ألف موظف وعامل على مستوى الجمهورية موزعين على أكثر من 440 موقع عمل لا تربطهم ببعضهم اى صلة أو علاقة حيث " تفرقت دماؤهم " على المحليات وعزلتهم عن بعضهم عزلا يستحيل معه تجميعهم ... وحركة الضرائب العقارية تتميز عن غيرها فى هذا الجانب حيث أن الحركات الأخرى كان يميزها أنهم أبناء وضع واحد يحيط بهم سور واحد تجمعهم ظروف واحدة يعرف بعضهم البعض بدون مشقة - فيكفى ان يقف مجموعة من العمال فى فناء المصنع وينادون على زملائهم فيلبوا النداء فوراً - على عكس الإعجاز الذى حدث فى حركة الضرائب العقارية من تجميع لهذا الشتات .
2 – أن الحركة اشتملت على الرجال والنساء ... بل وكانت النساء فى أحيان كثيرة اشد صلابة نتيجة لمعاناتهم اليومية مع ارتفاع الأسعار  - وقضت سيدات لأول مرة فى مجتمعنا الشرقى المحافظ – ليلتهن فى الشارع  يطالبن بحقوقهن , وليسقطن شعارات سيدات النخبة والصالونات حول تمكين المرأة حيث مارسن التمكين عمليا ولم يكتفين برفع شعاراته .
3 – إن الحركة اشتملت على الموظفين والعمال المسلمين والمسيحيين .. وقفوا جنبا الى جنب ليطالبوا بحقوقهم من مسئولين مسلمين  ومسيحيين , وليقسموا المجتمع قسمة صحيحة ..حيث جسد العاملون وحدة المستغَلين وحدة المقهورين.
4 – أن الحركة يقوم بها موظفون حكوميون ارتبطوا تاريخيا بجهاز الدولة يستجيبوا دوما لكل ما يصدر إليهم من أوامر وتعليمات وفرمانات .. خرجوا لأول مرة على حبرهم الأعلى الكاتب المصرى القديم الذى يجلس القرفصاء ليدون ما يُملى عليه من قادته ... شقوا عصا الطاعة ليملوا على قادتهم طلباتهم ويفرضوها ويلتزم بها قادتهم وينفذوها ولم ترى مراحل التاريخ المصرى منذ فجر التاريخ ثورة للموظفين – إلا ما حدث إبان ثورة 19 وكانت وقتها ثورة للأمة كلها ضد الاحتلال ومن بين الأمة الثائرة وقتها كان الموظفون .
5 – إن حركة موظفو الضرائب العقارية جسدت على الأرض الديمقراطية .. حيث التصويت المباشر وبطريقة أقرب لما عرفته الديمقراطية اليونانية - فى اسبرطة وأثينا - حيث الاحتكام الى الناس مباشرةً دون وكلاء أو نواب أو وسطاء ... ومارسوا الديمقراطية فى الشارع على مقربة من مجلسى الشعب والشورى .. وكشفوا بذلك مدى زيف دعاوَى الديمقراطية التى تُرفع فى هذه المجالس المزورة.
6 – كان المحور الأساسي لحركة الضرائب العقارية هو التمويل الذاتى من زملائهم الذين أرسلوا – الى أرض الاعتصام – الطعام والمؤن من كافة المحافظات عبر الوفود المنضمة " لأرض الاعتصام " .. ولو كان اعتمادهم الأساسي على أحد سواهم لما انتظم الصمود أو استمر .... وهذا لا ينفى مساهمات الشرفاء في هذا الوطن وسكان الشارع ذاته - ولكنه ظل دعما إضافيا للدعم الأساسي الوارد من الزملاء أنفسهم .
7 – عبرت الحركة عن استقلال حقيقي عن أجهزة الدولة والأحزاب والجماعات والتنظيمات ... وعلى الرغم من انتماء بعض القائمين بالحركة لبعض هذه الأحزاب إلا أنهم خلعوا رداء الحزبية وارتدوا رداء المهنة والعمل النقابى بديلا لأى رداء آخر مما أدى آلي الحفاظ على وحدتهم وتماسكهم ..وفشلت كل محاولات تقسيمهم .
8 – وكما في المعارك العسكرية يكون النصر دائما حليفاً للجيش الأكثر تنظيماً وليس الأكثر عدداً – كان التنظيم المحكم فى حركة الضرائب العقارية عبر لجان الإضراب في المحافظات – تجمعهم وتقودهم لجنة عليا للإضراب ...هذا العمل المنظم أدى لنجاح التحرك وساعد فيما بعد فى بناء نقابة قوية .

وما أن فرغ العاملون من إضرابهم الناجح وحققوا مطالب الإضراب حتى اجتمعوا للنظر فى مستقبل لجان الإضراب ال 29 ... وكذلك اللجنة العليا للإضراب .

وكان ذلك فى شهر فبراير عام 2008م حيث وصلوا بعد مناقشات مستفيضة الى قرار بالإجماع وهو :
" ان تتحول لجان الإضراب ال 29 الى لجان نقابية .... وان تتحول ( اللجنة العليا للإضراب ) الى نقابة عامة تقودهم "
.. وبدأت الخطوات التنفيذية فى هدوء نظراً لأنها المرة الأولى منذ أمد بعيد التى يتخذ فيها العاملون قرارهم بأيديهم – حيث كانت قرارات النقابات دوما تهبط من أعلى .
كانت هذه هى المرة الأولى التى ينشئ فيها العاملون نقابتهم بأيديهم بعيداً عن اى وصاية أو تدخل من من التنظيم النقابى الحكومى القائم ...
" إنها حقاً الخطوة الاولى فى طريق الالف ميل ....."  وكانت ضربة البداية .

انطلق العاملون فى جمع التفويضات اللازمة لإنشاء النقابة ...وفوضوا زميلهم
" كمال أبوعيطه " فى اتخاذ إجراءات التأسيس .. وجمعوا 37 ألف تفويض ..وبدءوا فى اتخاذ إجراءات التأسيس - عبر تحرير استمارات العضوية للنقابة وما أن وصل العدد الى الرقم 27 ألف استمارة حتى قام العاملون بالتوجه بإدارتهم الى وزارة القوى العاملة – الجهة المشرفة على التنظيمات النقابية – وقابلوا السيدة الوزيرة " عائشة عبد الهادى " التى استقبلتهم بترحاب وأودعوا أوراقهم فى الوزارة ...وبهذا يكونون قد التزموا بالشرط الحاكم فى قانون النقابات والمتعلق بإيداع الأوراق بالجهة الادراية والذى ينص على أنه :
" تثبت الشخصية الاعتبارية للمنظمة النقابية بإيداع الأوراق "
– كما أعطى المشرع مهلة ثلاثون يوما من تاريخ الإيداع لإبداء اى ملاحظات أو اعتراضات .
تم الايداع بتاريخ 21/4/2009م وفى يوم 20/5/2009م أصبحت نقابتنا نقابة رسمية بالإضافة لكونها شرعية أصلاً -  واستمدت شرعيتها :
- من الدستور المصري – القانون رقم 35 لسنه 1976م " قانون النقابات " ( الذى نرفضه ) .
- أحكام المحاكم الدستورية المتواترة والتى تؤكد حرية إنشاء النقابات دون وصاية .
- الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر وأصبحت ملزمة لها ... وقبل هذا وبعده .....قرار الجمعية العمومية للعاملين بالضرائب العقارية .
ووصل عدد المنضمين الى نقابتنا حتى الآن 40 ألف عامل من أصل 47 ألف هم قوة العمل ...وجارى ورود اشتراكات أعضاء جدد تتوالى علينا يومياً وتم عمل كارنيهات نقابية لهم .. وانتخبوا ممثليهم بإرادتهم الحرة وبدون تدخل من أحد ... ولا توجد موانع فى أدائهم النقابى -  اللهم إلا استغلال التنظيم النقابى الرسمى لأجهزة الدولة – والتى تأخذ أشكالاً عدة غير نقابية – لمحاربة نقابتنا الوليدة .